فهلْ أَرَادَ ابنُ مسعودٍ أنَّ هذا النورَ الذي على الحيطانِ وَوَجْهِ الأرضِ هوَ عَيْنُ نورِ الوجهِ الكريمِ؟!! أو فَهِمَ هذا عَنْهُم ذُو فَهْمٍ مستقيمٍ؟!!
فالقرآنُ والسُّنَّةُ وأقوالُ الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم مُتَطَابِقَةٌ يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَتُصَرِّحُ بالفرقِ الذي بينَ النورِ الذي هوَ صِفَتُهُ، والنورِ الذي هوَ خَلْقٌ منْ خلقِهِ، كما تُفَرِّقُ بينَ الرحمةِ التي هيَ صفتُهُ، والرحمةِ التي هيَ مخلوقةٌ، ولَكِنْ لَمَّا وُجِدَتْ في رحمتِهِ سُمِّيَتْ بِرَحْمَتِهِ، وكما أنَّهُ لا يُمَاثِلُ في صفةٍ منْ صفاتِهِ خَلْقَهُ، فكذلكَ نُورُهُ سُبْحَانَهُ. فأيُّ نورٍ من الأنوارِ المخلوقةِ إذا ظَهَرَ للعالمِ وَوَاجَهَهُ أَحْرَقَهُ؟!! وأيُّ نورٍ إذا ظَهَرَ منهُ للجبالِ الشامخةِ قَدْرٌ ما جَعَلَهَا دَكًّا؟!! وإذا كانتْ أنوارُ الحُجُبِ لوْ دَنَا جَبْرَائِيلُ في أَدْنَاهَا لاحترقَ، فما الظنُّ بنورِ الذَّاتِ؟!!)([8])
(فنسبةُ الأنوارِ كُلِّهَا إلى نورِ الربِّ كنسبةِ العلومِ إلى علمِهِ، والقُوَى إلى قوَّتِهِ، والغِنَى إلى غِنَاهُ، والعزَّةِ إلى عِزَّتِهِ، وكذلكَ باقِي الصِّفَاتِ.
والعبدُ إذا سَمَا بَصَرُهُ صُعُوداً إلى نورِ الشمسِ غَشِيَ دونَ إدراكِهِ وَتَعَذَّرَ عليهِ غايَةَ التَّعَذُّرِ!! وأيُّ نسبةٍ لنورِ الشمسِ إلى نورِ خالِقِهَا وَمُبْدِعِهَا؟!! وإذا كانَ نورُ البرقِ يَكَادُ يَلْتَمِعُ البصرَ وَيَخْطَفُهُ، ولا يَقْدِرُ العبدُ على إدراكِهِ، فكيفَ بنُورِ الحجابِ؟!! فكيفَ بما فَوْقَهُ؟!!
والأمرُ أعظمُ منْ أنْ يَصِفَهُ واصِفٌ، أوْ يَتَصَوَّرَهُ عَاقِلٌ، فَتَبَارَكَ اللهُ ربُّ العالَمِينَ الذي أَشْرَقَت الظُّلُمَاتُ بنورِ وجهِهِ، وَعَجَزَت الأفكارُ عنْ إدراكِ كُنْهِهِ، وَدَلَّت الآياتُ وَشَهِدَت الفِطَرُ باستحالةِ شِبْهِهِ، فَلَوْلا وَصْفُ نفسَهُ لعبادِهِ لَمَا أَقْدَمُوا على وصفِهِ، فهوَ كما وَصَفَ نفسَهُ وَأَثْنَى على نفسِهِ، وَفَوْقَ ما يَصِفُهُ الواصفونَ)([9]).
[فَصْلٌ]: (وَلَمَّا كانَ النورُ منْ أسمائِهِ الحسنى وصفاتِهِ كانَ دِينُهُ نُوراً، ورسولُهُ نوراً، وكلامُهُ نوراً، ودارُهُ نوراً يَتَلأْلأُ، والنورُ يَتَوَقَّدُ في قلوبِ عبادِهِ المؤمنينَ، وَيَجْرِي على أَلْسِنَتِهِم، وَيَظْهَرُ على وُجُوهِهِم)([10]).