موضوع: الامــام البخـــــارى الأربعاء أغسطس 22, 2012 6:57 pm
ولد البخاري في شوال سنة 194هـ، بمدينة بخارى في خراسان، والتي كانت مركزًا علميًا هامًا في بيت ورع ودين وفي بيئة علمية مشجعة، وقد مات أبوه والبخاري طفل، فتعاهدته أمه بالرعاية وكانت امرأة صالحة تقية ومن ذوي الكرامات، ذلك لأن البخاري ذهبت عيناه وهو صغير فدعت أمه الله كثيرًا وبكت من أجله كثيرًا حتى رد الله بصره عليه. بدأ البخاري في سماع الحديث وهو طفل صغير، وبدأ نبوغه في الظهور وهو في العاشرة عندما أصلح حديثًا للإمام «الداخلي» وهو من رواة الحديث الكبار بخراسان، واصل البخاري طلبه للعلم والحديث حتى وصل سن السادسة عشرة وقد فرغ من حفظ مصنفات كثيرة في الحديث، وحان وقت خروجه للرحلة العلمية وذلك منذ سنة 210هـ، فدخل المدينة ومكث فيها ست سنوات، ثم طاف باقي الأقطار الإسلامية وكان يدخل البلد الواحد عدة مرات لسماع الحديث ولقاء العلماء والمشايخ، حتى بلغ عدد شيوخه الذين لقيهم وسمع منهم ألف شيخ. بدأ البخاري في التصنيف والتأليف وهو في الثامنة عشرة من عمره، وساعده على ذلك ذكاؤه الحاد وحفظه النادر وذهنه السيال المتوقد، فكان أول ما صنفه كتاب «قضايا الصحابة والتابعين» ثم كتاب «التاريخ» ثم تتابعت كتبه حتى بلغت سبعة وعشرين كتابًا، أشهرها على الإطلاق كتاب الجامع الصحيح، الذي يعتبر أصح كتاب على وجه الأرض بعد كتاب الله عز وجل، وقد استمر في تأليف هذا الكتاب ست عشرة سنة، وأخرجه من نحو ستمائة ألف حديث، ولم يكن يكتب حديثًا في هذا الكتاب إلا اغتسل له وصلى ركعتين يدعو الله فيها بالقبول والتسديد، وكان يتشدد في قبول الحديث حيث إنه قد اشترط المعاصرة والملاقاة ليروي الحديث. كان البخاري رحمه الله ضعيف البنيان، قليل الأكل جدًا، يتزهد فيه بشدة حتى اعتل جسده، كما كان عزيز النفس، عفيف اليد حتى في أشد حالات العسر، لم يؤثر عنه غيبة قط، وكان في غاية الحياء والسخاء والورع، مع شدة اهتمامه بعلم التأليف، كان يحافظ على قيام الليل وختم القرآن، متعبدًا إلى الغاية، كامل الأوصاف في جميع الأبواب، ولقد أثنى عليه أهل العلم وأجمعوا عليه، وأفاضوا عليه من الفضل والخير ما هو أهله، حتى إن المستشرق جولد تسيهر قال عنه: «إنه صاحب الختم»، وقال: «ختم البخاري كالعلامة المسجلة». ولقد تعرض البخاري لمحنة عظيمة في أواخر حياته، وكان قد كتب في وصيته أن العلماء لابد لهم من الصبر على شماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهلاء وحسد العلماء، وهو عين ما ابتلي به البخاري، حيث اتهمه من حسده من العلماء ـ على مكانته ـ بالابتداع في الدين، والقول بأنه يتبنى عقيدة المعتزلة وأنه يقول: «لفظي بالقرآن مخلوق» وهو لم يقل هذه الكلمة قط، وكان الساعي عليه في هذه المحنة محدث نيسابور وإمامها «محمد بن يحيى الذهلي»، وعظمت المحنة حتى اضطر البخاري للخروج من نيسابور وتوجه إلى بلده بخارى حيث استقبله الناس استقبالاً حافلاً وأكرموه غاية الإكرام، ولكن أمير بخارى «خالد بن أحمد الذهلي» أجبره على الخروج من بخارى إلى قرية «خرتنك» فدعا عليه البخاري، فلم يمض سوى شهر واحد حتى عُزل هذا الأمير من منصبه وسُجن، وذلك بدعوة البخاري عليه. وفي يوم 30 رمضان سنة 256هـ توفي البخاري بقرية «خرتنك» قريبًا من بخارى، وحين دفن فاحت من قبره رائحة أطيب من ريح المسك وجاءت طيور بيضاء حامت حول قبره وكان عمره يوم أن مات اثنين وستين عامًا، رحمه الله رحمة واسعة.