الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد: فاللهم لك الحمد لكن أَجله وأعظمه، ولك الشكر لكن أحسنه وأَجمَله، ولك الثناء لكن أكمَله وأتمه، ولك المدح لكن أبلغه وأحلاه، والصلاة والسلام على الصفوة المصطفى، والأسوة المُرتضى، والسيف المُنتضى، ومؤدِّي الحقوق، وعلى آله وصحبه، ومَن سار على نَهْجه، واقتفى أثرَه إلى يوم الدين، أما بعد: فأحبَّتي، إن المحبة في الله هي الأخوَّة الإيمانية الممتدَّة لمحبة الله وتوحيده: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وما أجمله من شعور! أن نشعر بأن كل مُوحِّد على وجه الأرض هو أخ لنا، له من الحقوق ما لنا، وعليه من الواجبات ما علينا.
وقد آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين الصحابة الكرام، من مهاجرين وأنصار، في أخوة إيمانية، ولكن قد يشوب هذه الأخوَّةَ خلافات وتَقاطُع فيما بينهم، وهذا سببه الشيطان.
نعم أحبابي، ما أجمل أن يسعى المؤمن أن يكون بريدَ خير للإصلاح بين الإخوة، كيف لا وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]. كيف لا، والشيطان هَمُّه الأكبر بعد الكُفْر بالله تعالى أن يُفرِّق بين المؤمنين؟ أليس حبيبنا صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم))؟ نعم أخي، إن الشيطان بعدما يئس أن يعبده المسلمون سعى جاهدًا للتحريش والتفريق بينهم.
وهذا حبيبنا محمد في آخر عمره اعتلى المنبرَ صلوات ربي وسلامه عليه، فقال: ((مَن أخدت منه مالاً، فهذا مالي فليأخذ منه، ومن ضربت له جسدًا، فهذا جسدي فليقتصَّ منه، ومن سَببتُ له عِرضًا، فهذا عِرْضي فليقتص منه)).
نعم إخوتاه، لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصَحْبه الكرام، ثم الصالحين من أُمَّتنا - أسوةٌ حسنة، فلنقتدِ بهذه الأسوة الحسنة، ولنتمسَّك بهديه صلى الله عليه وسلم بالتعامل مع إخواننا، ولنضع نصب أعيننا قولَ الله تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، نعم، الله - جل جلاله - تَكفَّل بأجرك، فهذه نعمة، إي والله، أن يتكفَّل الله بأجرك نعمة عظيمة! فكم من هِبات ونفحات ستكون لك من الله عز وجل.
وذكر الله صفاتِ الوارثين لدار السلام (الجنة) في قوله: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
ولنتذكَّر دائمًا وأبدًا قول الله تعالى مُخبِرًا عن يوسف عليه السلام: ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100]، وقال نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه: ((لا تَقاطَعوا ولا تَدابَروا ولا تَباغَضوا ولا تَحاسَدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يَحِل لمسلم أن يَهجُر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيُعرِض هذا، ويُعرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، والذي يبدأ بالسلام يَسبِق إلى الجنة)).
أحبابنا، فمَن كان في قلبه شيء على إخوانه، فليكن قلبه واسعًا وشعاره: اللهم تصدَّقتُ بعِرضي على إخواني، فوالله إن هذه الكلمات - بإذنه تعالى - تُرغِم أنفَ الشيطان، وتجعله يتحسَّر أنْ قد أنجى الله بفضله المتخاصمين من مَكْرِه (مَكْر الشيطان).
أحبَّتي، ومَن يقرأ سيرة حبيبنا صلى الله عليه وسلم ويقرأ قول الله تعالى في أبي بكر رضي الله عنه عندما عفا عن مسطح رضي الله عنه في قصة حادثة الإفك، فعندما قرأ وسَمِع أبو بكر ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، لم يتلكَّأ ولم يفكِّر ولم يَستشِر، بل أسرع، وقال: بلى يا ربِّ، بلى يا ربِّ، وعفا عن مسطح رضي الله عنه.
وفي قصة الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((يدخل عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة))، فلما رأوهقالوا: ماذا كان يعمل، فتَبِعه رجلٌ منهم؛ لينظر ماذا يعمل هذا الرجل، فإذا به يُراقِبه، فلم يجد من عمله سوى صلاة قليلة وأعمال يسيرة، إلا أنهلا ينام إلا وقد سامَح الناسَ جميعهم، ولا يوجد في قلبه حقد أو حسد لأي أحد.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أُعْطي مَن حرمني، وأَعْفوَ عمن ظلمني، وأَصِل من قطعني))، فهذه هي الأخلاق النبيلة، لنجعل نبينا الحبيب قدوة لنا في أعمالنا وأقوالنا وتصرُّفاتنا.
مِنَ اليَومِ تَعارَفْنا وَنَطوي ما جرى مِنَّا ولا كان ولا صار ولا قُلتُم ولا قُلنا وإن كان ولا بُد مِنَ العتب فَبِالحُسنى فقد قيلَ لنا عَنكُم كما قيلَ لَكُم عَنَّا كَفى ما كانَ مِن هَجرٍ وَقد ذُقتُم وَقَد ذُقنا وَما أَحسَنَ أَن نَرجـ ـعَ لِلوَصلِ كَما كُنَّا
اللهم وفِّق كلَّ المتخاصمين إلى الحبِّ فيك، والعودة إليك، والصَّفح عن إخوانهم، اللهم تقبَّل عملَنا هذا، واجعله خالصًا لوجهك الكريم، واصرِف عني خصوصًا وعن إخواني عمومًا النفاقَ والرياء والشِّقاق وسوء الأخلاق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
غريب على باب الرجاء
عدد المساهمات : 11 تاريخ التسجيل : 03/06/2014
موضوع: رد: والصلح خير الخميس يونيو 12, 2014 2:36 am
نعم أختنا الكريمة بارك الله فيك و جعله فى ميزانك و جعلنا و إياكم من يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم اهدنا إلى ما تحب و ترضى و لا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا جزاكم الله خيرا