بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( حفظه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.
ما أخطر هذا الداء!
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن العبد المخلوق الضعيف قد يتعرض لأمراض تجعله يغتر بنفسه،وينسى فضل خالقه جل جلاله عليه،وتؤدي به إلى احتقار غيره واستنقاصهم!،ومن هذه الأمراض الخطيرة والآفات المهلكة، مرض العجب!.
قال نبينا صلى الله عليه وسلم:"ثلاث مهلكات؛شح مطاع،وهوى متبع،وإعجاب المرء برأيه".رواه البزار في مسنده(13/486)من حديث أنس -رضي الله عنه-،وحسنه الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(1802)
إن هذا الداء العضال والمرض القتال أيها الكرام يُصيب من نزل به، و تمكن من قلبه بالخسران،ويُبعده عن الخير وطاعة المنان،فيقع في العصيان!ويبوء بعد ذلك بالحرمان،ويصيبه الخذلان!،نسأل العفو والعافية من الرحمن.
قال أبو وهب المروزي –رحمه الله- :"سألت ابن المبارك ما الكبر؟ قال:" أن تزدري الناس"، وسألته عن العجب؟ قال" أن ترى أن عندك شيئا ليس عند غيرك"، قال :"ولا أعلم في المصلين شيئا شر من العجب".شعب الإيمان للبيهقي (8260)
قال القرافي –رحمه الله- :"وسر تحريم العجب أنه سوء أدب على الله تعالى، فإن العبد لا ينبغي له أن يستعظم ما يتقرب به إلى سيده، بل يستصغره بالنسبة إلى عظمة سيده، لا سيما عظمة الله تعالى، ولذلك قال الله تعالى
وما قدروا الله حق قدره)[ الزمر:67] أي: ما عظموه حق تعظيمه، فمن أعجب بنفسه وعبادته فقد هلك مع ربه، وهو مطلع عليه وعرض نفسه لمقت الله تعالى وسخطه".الفروق(4/ 386)
لقد خاف نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أيها الأفاضل على أمته من هذا الداء الرديء، وحذرهم منه أشد التحذير ،فقال صلى الله عليه وسلم:"لو لم تكونواتذنبون لخشيت عليكم ما هو أكثر من ذلك، العُجب العجب". رواه البزار في مسنده (13/524) من حديث أنس –رضي الله عنه- ، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (658)
قال المناوي –رحمه الله- :"كرره -أي العجب- زيادة في التنفير ومبالغة في التحذير، وذلك لأن العاصي يعترف بنقصه فيرجى له التوبة،والمعجب مغرور بعمله فتوبته بعيدة".التيسير بشرح الجامع الصغير ( 2/312)
إن المعجب بنفسه أيها الأحبة المادح لها المغرور بها،سيقع مع الأيام في مرض هو من ثمار هذا الداء المذموم، وهو أكثر ضررا وأعظم خطرا منه،ألا وهو داء الكبر، الذي يؤدي بصاحبه إلى المهالك ويجره إلى المساوئ،نسأل الله العافية.
يقول الغزالي –رحمه الله-:" اعلم أن آفات العجب كثيرة، فإن العجب يدعو إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه ... فيتولد من العجب الكبر. ومن الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى، هذا مع العباد،وأما مع الله تعالى،فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها، فبعض ذنوبه لا يذكرها ولا يتفقدها، لظنه أنه مستغن عن تفقدها فينساها، وما يتذكره منها فيستصغره ولا يستعظم،ه فلا يجتهد في تداركه وتلافيه بل يظن أنه يغفر له ". إحياء علوم الدين ( 3 /370 )
ويقول أبو العباس القرطبي–رحمه الله-:"إعجاب الرجل بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال والاستحسان مع نسيان منة الله تعالى فإن رفعها على الغير واحتقره فهو الكبر المذموم". فتح الباري (10/261)
أيها الأحبة إن من أنواع البلايا والفتن،التي تكثر في هذه الأمة والتي هي من العلامات الدالة على قرب الساعة، وفساد الناس،إعجاب كل ذي رأي برأيه ،وكل ذي عمل بعمله ولو كانت الأفعال و الأقوال مخالفة للصواب الذي أمر به العزيز الوهاب،فنرى من أصاب بهذا الداء!متصلبا في رأيه متبعا لهواه وما يملي عليه الشيطان!وإن كانت مخالفته ظاهرة لكل الناس. فيا من ابتليت بهذا الداء !عليك أن تسارع في علاجه وتأخذ بالدواء،قبل أن تهلك كما هلك من اغتر بنفسه، وأعُجب بعمله، ونسي أن هناك من خلقه ورزقه، فكان لمن بعده عبرة، وأصبحت قصته ذكرى يَنتفع بها من كان له قلب سليم ويتعظ بسماعها من كان على الصراط المستقيم ،قال تعالى
فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين)[القصص :81].
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"جزاء من جنس عمله،فكما رفع نفسه على عباد الله، أنزله الله أسفل سافلين،هو ما اغتر به،من داره، وأثاثه،ومتاعه". تفسير السعدي (ص 624 ).
وقال صلى الله عليه وسلم:"بينما رجل يَتَبَخْتَرُ يمشي في بُرْدَيْهِ قد أَعجبته نَفْسُهُ، فخسف الله به الْأرض،فهو يَتَجَلْجَلُ -يتحرك وينزل مضطربا-فيها إلى يوم القيامة".رواه البخاري(5452) ومسلم ( 2088) و اللفظ له،من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.
فعليك يا أصابك هذا الداء!المبادرة بالتوبة والاستغفار،وأن تذكر نفسك بأصلها، فهي لن تعدوا قدرها!،فإن أولها نطفة!وآخرها جيفة!واحرص على كل ما ينفعك ويقربك إلى خالقك سبحانه،و أكثر من فعل الطاعات وتزود من الخيرات ، وابتعد عن الذنوب و المعاصي و المنكرات .
قال الشافعي -رحمه الله-:"إذا أنت خفت على عملك العجب، فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب ومن أي عقاب ترهب، وأي عافية تشكر، وأي بلاء تذكر،فإنك إن ذكرت في واحدة من هذه الخصال، صغر في عينيك ما قد عملت".تاريخ مدينة دمشق(51/413)
ومما ينبغي علينا أن نعلمه أيها الأحبة الكرام أنه ليس من باب العجب الفرح بالطاعة وبغض السيئة، لأن المعجب بنفسه لا يبغض ولا تسوئه المعصية بخلاف المؤمن ،فإنه يفرح بتأدية الطاعات ويحمد الله جل وعلا على توفيقه ويسأله سبحانه المزيد من فضله والتوفيق للخيرات،ويحزن عند ارتكابه المنكرات وتجرئه على المحرمات،قال صلى الله عليه وسلم :" من سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ،وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فذلك الْمُؤْمِنُ ".رواه الترمذي (2165) من حديث ابن عمر – رضي الله عنه- وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يرزقنا وإياكم الأخلاق الحسنة والآداب الرفيعة وأن يجنبنا العجب و الكِبْر وسائر الأخلاق السيئة، فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.